صناعة الفرح وسط الآلام
نيسان ـ نشر في 2025-09-23 الساعة 09:15
نيسان ـ إنّ صناعة الفرح في زمن الألم ليست حيلةً واهية ولا خداعًا للنفس، بل هي أشبه بقدرة الطائر على الغناء فوق شجرة محترقة، يغرّد والحطب من تحته يئن، وكأنّه يعلن أن الحياة أوسع من رماد الحروب وضجيج المدافع. نحن نضحك لا لأننا نسينا الجراح، بل لأننا نعرف أنّ الاستسلام لليأس أشدُّ فتكًا من الرصاص، وأنّ الحزن إذا سُمح له أن يستوطن الروح صار سجنًا بلا جدران.
الفرح هنا فعلٌ من أفعال المقاومة، سلاحٌ ناعم لكنه نافذ، نواجه به طغيان الخراب. إنّ ابتسامةً صغيرة تُطلّ من وجهٍ مُكدود أبلغ من خطب الساسة، وضحكةً تُنتزع من قلبٍ مثقوب بالخذلان أشجع من صرخة في ميدان. الفرح ليس نقيض الألم، بل هو ابنه الشرعي؛ يولد من رحم العذابات كما تنبت زهرة برية بين شقوق الإسفلت، وكأنّها تعلن أنّ للأرض قلبًا لا يخبو.
كم من أمّ خبّأت قطعة حلوى في يد صغيرها تحت سقفٍ يتهاوى، وكأنها تُخفي كنزًا يوازي الدنيا، وكم من صديقٍ هدم الحزن بنكتة عابرة صارت أثقل من ألف دواء، وكم من عاشقٍ خطّ رسالة في ليلٍ مظلم كأنه يزرع وردةً في مقبرة! تلك التفاصيل الصغيرة هي حصوننا الأخيرة أمام الانكسار، هي ما يُبقي الإنسان إنسانًا، وما يجعلنا أقدر على مواجهة الغد ولو كان محمّلًا بالعواصف.
لسنا نحلم بسعادة كاملة، فذلك وهم لا يسكن إلا في الكتب القديمة، لكننا نعرف كيف نبتكر سعادتنا الممكنة؛ فنجان قهوة على طاولة خشبية متعبة، ضحكةٌ مشاغبة وسط جدال عقيم، أغنيةٌ قديمة تبعث فينا طمأنينة من زمنٍ كان أجمل. إنّ السعادة هنا ليست طيفًا بعيدًا، بل قبسٌ صغير نقتنصه من بين عتمتين، قبسٌ يكفي كي لا تنطفئ الروح.
فالفرح وسط الآلام ليس جنونًا ولا طيشًا، بل هو عين العقل؛ أن نرقص في جنازة ونغني للحياة ونحن نحصي موتانا، أن نضحك ونحن ننزف، أن نقول للقدر: لن تنال منّا بهذه السهولة. هي مهارة البقاء التي علّمتنا إيّاها هذه الأرض، حكمة العابرين في دروب النار، وإرث الذين أدركوا أنّ الكرامة لا تُحفظ بالحديد وحده، بل بالقدرة على اختراع لحظة فرح تُقهر بها عتمة الكون كلّه.
الفرح هنا فعلٌ من أفعال المقاومة، سلاحٌ ناعم لكنه نافذ، نواجه به طغيان الخراب. إنّ ابتسامةً صغيرة تُطلّ من وجهٍ مُكدود أبلغ من خطب الساسة، وضحكةً تُنتزع من قلبٍ مثقوب بالخذلان أشجع من صرخة في ميدان. الفرح ليس نقيض الألم، بل هو ابنه الشرعي؛ يولد من رحم العذابات كما تنبت زهرة برية بين شقوق الإسفلت، وكأنّها تعلن أنّ للأرض قلبًا لا يخبو.
كم من أمّ خبّأت قطعة حلوى في يد صغيرها تحت سقفٍ يتهاوى، وكأنها تُخفي كنزًا يوازي الدنيا، وكم من صديقٍ هدم الحزن بنكتة عابرة صارت أثقل من ألف دواء، وكم من عاشقٍ خطّ رسالة في ليلٍ مظلم كأنه يزرع وردةً في مقبرة! تلك التفاصيل الصغيرة هي حصوننا الأخيرة أمام الانكسار، هي ما يُبقي الإنسان إنسانًا، وما يجعلنا أقدر على مواجهة الغد ولو كان محمّلًا بالعواصف.
لسنا نحلم بسعادة كاملة، فذلك وهم لا يسكن إلا في الكتب القديمة، لكننا نعرف كيف نبتكر سعادتنا الممكنة؛ فنجان قهوة على طاولة خشبية متعبة، ضحكةٌ مشاغبة وسط جدال عقيم، أغنيةٌ قديمة تبعث فينا طمأنينة من زمنٍ كان أجمل. إنّ السعادة هنا ليست طيفًا بعيدًا، بل قبسٌ صغير نقتنصه من بين عتمتين، قبسٌ يكفي كي لا تنطفئ الروح.
فالفرح وسط الآلام ليس جنونًا ولا طيشًا، بل هو عين العقل؛ أن نرقص في جنازة ونغني للحياة ونحن نحصي موتانا، أن نضحك ونحن ننزف، أن نقول للقدر: لن تنال منّا بهذه السهولة. هي مهارة البقاء التي علّمتنا إيّاها هذه الأرض، حكمة العابرين في دروب النار، وإرث الذين أدركوا أنّ الكرامة لا تُحفظ بالحديد وحده، بل بالقدرة على اختراع لحظة فرح تُقهر بها عتمة الكون كلّه.
نيسان ـ نشر في 2025-09-23 الساعة 09:15
رأي:


