أجنحة على الجدران
رمزي الغزوي
رمزي الغزوي أديب وإعلامي أردني عربي
نيسان ـ نشر في 2025-10-13 الساعة 12:39
نيسان ـ هناك لحظة فارقة يتوقف فيها الواحد منا ليسأل نفسه: هل أنا كائن يلهث خلف تفاصيل الحياة أم شرارة قادرة على إشعال معنى جديد وسط العدم؟ تلك اللحظة هي بداية التحرر. والحرية هنا ليست كلمة في قصيدة، أو شعاراً تردده الحشود، بل هي انعتاق عسير يشبه محاولة غريق أن يلتقط نفسه من طيِّ الأمواج.
لم يكن التحرر يوما انسحاباً من العالم، ولا حتى اندماجاً أعمى فيه. كلاهما قناع رث يبرر الاستسلام. الحرية الحقة رياضة للنفس، مواجهة يومية مع الضعف والميل السهل إلى الانقياد. أن تكون حراً يعني أن تجرؤ على العراء، أن تواجه هشاشتك بلا أقنعة، وأن تعترف أن قيمتك ليست فيما تملك، بل فيما تختار أن ترفضه. وهنا يصبح الإنسان أكثر شبهاً بكيان يولد من جديد، مبللاً بدموع التجربة، لكنه أكثر وضوحاً في عينيه ونفسه.
غير أن الحرية وحدها ناقصة. فهي إن لم تتحول إلى عطاء، تنقلب إلى أنانية مصقولة. العطاء وجه آخر للحرية. هو الامتحان الذي يكشف صدقها ويمحص حقيقتها. الإنسان لا يعرف نفسه إلا وهو منفتح، تماماً كما لا يظهر بريق النار إلا حين تلمس ما حولها. وهنا يكون العطاء أكثر من إحسان فوقي وأعمق من تضحية استعراضية، يكون فعلا يعيد صياغة الذات، ويجعلها أغنى وهي تنقص، وأقوى وهي تبذل.
والتحرر والعطاء لا يخلوان حقيقة من القلق. هناك ارتجاف يرافق كل اختيار، لأن كل فعل يعني التضحية بطرق أخرى كان يمكن أن تُسلك. هذا القلق ليس مرضاً إنما دليل حياة ونضج. إنه صوت داخلي يذكّرنا أننا لسنا آلات تكرر الأوامر، بل كائنات تجرب، تخطئ، وتغامر. في هذا القلق يختبئ شرط الإبداع، لأنه يكسر رتابة العيش ويفتح أفقاً لا نراه إلا حين نهتز.
وسيبقى الحذر رابع الأركان. الحرية دون وعي تتحول إلى فوضى، والعطاء بلا بصيرة ينقلب تهوراً. وحده الحذر يحفظ لنا التوازن، يضمن أن تبقى التجربة إنقاذاً لا سقوطاً. ففي عالم يترنح بين تعصب أعمى وتكنولوجيا جامحة بلا روح، يصبح اجتماع الحرية والعطاء والقلق والحذر خريطة بقاء، لا فلسفة نظرية فقط.
وهنا نرى السؤال الذي يتدحرج أمامنا: هل نملك الجرأة لأن نعيش بحرية مشتعلة تحت الركام، أم سنبقى نرسم أجنحة على جدران السجن تبهت وتتلاشى؟
لم يكن التحرر يوما انسحاباً من العالم، ولا حتى اندماجاً أعمى فيه. كلاهما قناع رث يبرر الاستسلام. الحرية الحقة رياضة للنفس، مواجهة يومية مع الضعف والميل السهل إلى الانقياد. أن تكون حراً يعني أن تجرؤ على العراء، أن تواجه هشاشتك بلا أقنعة، وأن تعترف أن قيمتك ليست فيما تملك، بل فيما تختار أن ترفضه. وهنا يصبح الإنسان أكثر شبهاً بكيان يولد من جديد، مبللاً بدموع التجربة، لكنه أكثر وضوحاً في عينيه ونفسه.
غير أن الحرية وحدها ناقصة. فهي إن لم تتحول إلى عطاء، تنقلب إلى أنانية مصقولة. العطاء وجه آخر للحرية. هو الامتحان الذي يكشف صدقها ويمحص حقيقتها. الإنسان لا يعرف نفسه إلا وهو منفتح، تماماً كما لا يظهر بريق النار إلا حين تلمس ما حولها. وهنا يكون العطاء أكثر من إحسان فوقي وأعمق من تضحية استعراضية، يكون فعلا يعيد صياغة الذات، ويجعلها أغنى وهي تنقص، وأقوى وهي تبذل.
والتحرر والعطاء لا يخلوان حقيقة من القلق. هناك ارتجاف يرافق كل اختيار، لأن كل فعل يعني التضحية بطرق أخرى كان يمكن أن تُسلك. هذا القلق ليس مرضاً إنما دليل حياة ونضج. إنه صوت داخلي يذكّرنا أننا لسنا آلات تكرر الأوامر، بل كائنات تجرب، تخطئ، وتغامر. في هذا القلق يختبئ شرط الإبداع، لأنه يكسر رتابة العيش ويفتح أفقاً لا نراه إلا حين نهتز.
وسيبقى الحذر رابع الأركان. الحرية دون وعي تتحول إلى فوضى، والعطاء بلا بصيرة ينقلب تهوراً. وحده الحذر يحفظ لنا التوازن، يضمن أن تبقى التجربة إنقاذاً لا سقوطاً. ففي عالم يترنح بين تعصب أعمى وتكنولوجيا جامحة بلا روح، يصبح اجتماع الحرية والعطاء والقلق والحذر خريطة بقاء، لا فلسفة نظرية فقط.
وهنا نرى السؤال الذي يتدحرج أمامنا: هل نملك الجرأة لأن نعيش بحرية مشتعلة تحت الركام، أم سنبقى نرسم أجنحة على جدران السجن تبهت وتتلاشى؟
نيسان ـ نشر في 2025-10-13 الساعة 12:39
رأي: رمزي الغزوي رمزي الغزوي أديب وإعلامي أردني عربي


